الاثنين، 19 يناير 2009

إسرائيل تعوّض فشلها بـ«تفاهمات دوليّة» واتّفاق مع مصر


بعد اثنين وعشرين يوماً من القتل والدمار، فرغت إسرائيل من صبّ حمم «رصاصها المصهور» فوق قطاع غزة، معلنة تحقيق الأهداف التي شنّت «العملية العسكرية» من أجلها. أنهت إسرائيل عدوانها مهجوسةً بالحرص على تقديم إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد بوصفه انتصاراً تتجاوز الإنجازات التي تحققت فيه ما كان متوقعاً عند إصدار أمر العمليات ليل السابع والعشرين من كانون الأول الماضي. حرصٌ بدا واضحاً أنه يهدف إلى التغطية على تساؤلات اليوم التالي التي بدأت الساحة الإسرائيلية تشهدها فور صمت المدافع، وتدور حول حقيقة ما أُنجز في ضوء جملة من الوقائع أهمها: بقاء «حماس» سلطة حاكمة في غزة، استمرار حيازتها، وبقية فصائل المقاومة، القدرة الكافية على استئناف الضربات الصاروخية وغير الصاروخية لإسرائيل، عدم التمكن من إخضاعها سياسياً عبر الموافقة على تسوية بشروط إسرائيلية، بقاء الجندي جلعاد شاليط في قبضة الحركة الإسلاميّة، الإقرار الضمني، الذي صرّح به أمس رئيس الشاباك يوفال ديسكين، بقدرة المقاومة على إعادة تسليح نفسها خلال أشهر إذا لم تعزّز إسرائيل العمل على ضرب الأنفاق.الوقائع تظهر أن وقف النار الإسرائيلي كان خيار الضرورة، وأنه جاء نتيجة يأسٍ من تثمير مجريات الحرب سياسياً وخشيةٍ من الانتقال إلى المرحلة الثالثة عسكرياً.وأسند رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، وقف النار إلى ثلاثة «إنجازات» رئيسية هي: توجيه ضربة قاسية لحركة «حماس» مقاومةً وسلطةً، ترميم قدرة الردع الإسرائيلية، وإبرام تفاهمات دولية لمكافحة تهريب الأسلحة إلى القطاع. إلا أن الاتجاه السائد في إسرائيل يميل نحو اعتبار الأسابيع والأشهر المقبلة فترة اختبار لجدية هذه الإنجازات، وخصوصاً في ظل التسليم بحقيقة أن «الكرة الآن في ملعب حماس»، التي فاخر أولمرت بإقصائها عن مشهد التفاهمات، مُغفلاً رهانه وحكومته على تمكّن المصريين من بلورة اتفاق معها وانتظاره حصول ذلك حتى اللحظات الأخيرة قبل وقف النار.وإذ بقيت قضية المعابر الغائب الأبرز عن بيانات النصر الإسرائيلية، فإن وسائل الإعلام العبرية أجمعت على وجود نيّة لدى قادة تل أبيب لربط فتحها بقضية الجندي شاليط لجهة مساومة «حماس» على خفض عدد الأسرى «الإشكاليين»، الذين تطالب بإطلاق سراحهم في إطار صفقة التبادل.ووسط توقّع أن يمثّل وقف النار إيذاناً ببدء سجال إسرائيلي داخلي بشأن النتائج الفعلية لعملية «الرصاص المصهور»، فإن ما هو واضح أن قادة العدوان لن يزهدوا باستخدام أي شيء في معركتهم الداخلية المقبلة، ومن ذلك تظاهرة الزعامات الأوروبية التي كان منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية مسرحاً لها أمس.وسعى أولمرت من وراء استضافة القادة الأوروبيين الستة إلى تأكيد البعد الدولي للإنجازات التي حققها، وخصوصاً في ما يعني مكافحة التهريب. واستغلّ المناسبة ليعلن خروج قواته من القطاع «في أسرع وقت ممكن».وكان أولمرت قد أعرب في وقت سابق عن أمله بنجاح وقف إطلاق النار الذي وصفه بالهش، متوعداً «المنظمات الإرهابية الفلسطينية» برد عنيف وحازم، إذا استأنفت هجماتها باتجاه «الأراضي الإسرائيلية»، وسط حديث الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن إمكان ترميم «حماس» لقدراتها العسكرية خلال أشهر، والتشديد على جهوزية جيش الاحتلال لأي تطور على الحدود الشمالية.وقال أولمرت، في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس، إن الدولة العبرية تدرك أن وقف إطلاق النار لا يزال هشاً، وبالتالي «يجب العمل على متابعة التطورات دقيقة بعد أخرى»، مؤكداً أن «الجيش الإسرائيلي جاهز ومستعد لأي سيناريو، وقد صدرت إليه التعليمات بالرد الحازم إذا ما استدعت الحاجة ذلك، لأن عناصر حماس يسعون إلى إطلاق النار بأوامر من طهران».وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تحدثت أمس عن تفاهمات سرية بين إسرائيل ومصر تتعلق بمكافحة تهريب الأسلحة إلى القطاع. وفيما أشارت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي إلى أن تل أبيب تعهدت بعدم الإعلان عن تفاصيل هذه التفاهمات خشية إحراج النظام المصري، فإن وكالة «رويترز» نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب تدرس اقتراحاً مصرياً بزيادة عدد الحراس على الحدود مع قطاع غزة كجزء من الجهود المكثفة لمنع «حماس» من إعادة التسلح.ومن المعلوم أن اتفاقية السلام المصرية ـــــ الإسرائيلية تحدّد عدد القوات التي يسمح للقاهرة بنشرها على الحدود مع إسرائيل بـ750 شرطياً من حرس الحدود. وقال المسؤولون الإسرائيليون إن قضية زيادة حرس الحدود المصريين أثيرت مع إسرائيل في محادثات بشأن إنهاء الهجوم العسكري على غزة، وأشاروا إلى أن «القضية لم تمثل مشكلة في المحادثات». كما كشفوا أن مصر وإسرائيل تناقشان أيضاً إقامة تحصينات جديدة، بينها جدار تحت الأرض وتكنولوجيا للكشف عن الأنفاق على الجانب المصري من الحدود. وأضافوا أن «مصر وافقت على عمل المزيد» لوقف تهريب الأسلحة تحت الحدود، غير أنهم رأوا أن «من غير المرجح ألا تمنع القاهرة إعادة بناء الأنفاق التجارية».وفي السياق، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن مصر تعهدت لإسرائيل بالحفاظ على «الوضع القائم» في معبر رفح، في إشارة إلى الالتزام بتطبيق اتفاقية المعابر التي وقعت عام 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة أوروبية. وأوضحت أن المبادرة المصرية للتهدئة تتضمّن فتح معابر قطاع غزة مع إسرائيل للحالات الإنسانية فقط، من دون أي التزامات أخرى، الأمر الذي رفضته فصائل المقاومة الفلسطينية. وأكدت الصحيفة أن إعلان الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار من جانب واحد، يعدّ عملياً قبولاً للمبادرة المصرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق